السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
من حقي عليك ومن حقك علي أن انشر شيئا من سيرتك العطرة, لقد عشت
دنياك يا زينب طولا وعرضا, سيرة عطرة أنت, ذات حجاب ساتر أنت, ذات صيام
وقيام أنت, سيدة الكرم والتواضع أنت, قارئة القرآن أنت, من يعرفك ليصعب
عليه تقبل خبر رحيلك,وسقوطك السريع ولم يمهلك الموت كثيرا ففارقت الدنيا,
فهنيئا لك لقاء ربك, فإلى جنة الخلد يا صديقتي ولن تكفيك كلماتي ولا
دمعاتي, ولكنها ستبقى عزاء لي ولا أقول,إلا أسف يا صديقتى , لست بمكانة
الوفاء المطلوب لك,وأشعر بالخجل منك لعجزي عن كتابة ما يليق بك, أدرك إن
فراشة روحك سترقب الطريق وهي محلقة لغياب صديقاتك ومحبيك.
تبارك الذي بيده الملك وتبارك الذي خلق الموت.
وماذا بعد, أيتها الراقدة بعيدا عن الأحباب!
آه ليتني كنت التراب الذي تتوسدينه, دعيني أعانق الثرى الذي يضم
جسدك الطاهر. وأنا من شعرت بقلق قبل رحيلك والذي يتلفت بي يمنة ويسرة,
والأوجاع التي تشهقني بل وتشنقني, وبذات الوجع, أصبح هاجس الموت يصاحبني,
و يجعلني أتمتم هادم اللذات قد أفقدني صديقتي, أحمل الليل ووجع الرحيل
متسائلآ أين أنت ولمَ رحلت؟ هل كنت بحاجة إلى الرحيل؟ ما أصعب البوح في
زمن رحيل الأحبة, يا ليتني احتبستك أنفاسا في صدري وما تركتك ترحلين,آه
لقد بدا قلمي متحررا من سيطرتي, فجعلت دموعي طابعا لرسائل الآهات, وفي كل
آه من آهاتي أسرح بعيدا مع الحزن, إيه يا ذا الحزن الجليل فقد خجلت من
صراخي فالوجع يتدفق في جوارحي.
أناجي الليل يا ليل ليس له نهار آت, وأخاطب أرض حلب إني أمنتها
أن تحفظ جسدك المسجى بثوب الطهارة, وبجوار الجسد تركت روحي برداء الحزن,
لأكتب بلغة الدموع والحروف الحزينة, أكتب اليوم وصوتي حزين, لم أكن أتخيل
أبدا أن أكتب فيك رثائا, وأنا أدرك إنك لن تقرئي مما أكتبه لك, وكيف لي أن
أكتب رثائك بإحساس يوقظ رحيلك, أي حزن يحتوي قلبي ويعتريني وكيف لي أن
أرثي صديقة , بأي يد أحكي قصة وداعك الأليم, أي ألم هذا الذي يسكنني
ويستوطن أعماقي .
هل تدرين ثمة أمر, بعد رحيلك هذا اليوم شعرت بأن هناك رجاء داخلي,
يهمس لك لا تغيبي طويلا, حتى وأنا أعرف أنك على سرير المرض, تعلمت كيف
تكون الروح والنفس سالمة ساكنة لحظات الموت دون أن تزعج أحدا, وهكذا أنت
نقية كدموع التهجد طاهرة كتراتيل المآذن.
لا أزال في ذهول الصمت الذي انتابني عند سماع رحيلك, فرحيلك
السريع قد أبكاني, لا يخالجني أدنى شك, بأني أرثيك بنبض قلبي وليس بسن
قلمي, نعم بكل الحزن انبعث الخبر واقفا ونحن بقينا جلوسا دون تصديق, كان
موتك قاسيا فالوقت لا يزال أخضر, جئت سريعا بلا استئذان يا موت, أهكذا هو
الموت يخطف من يشاء ومن نحب وبلا ميعاد.
ثمة في النص, قلب ملئه الأوجاع يبكي و يذرف دمعا سخيا بل وبصراخ غير
مسموع, وعقل تاه في متاهات ذاكرة الحزن وعيون جفت من البكاء,و كل شيء كان
مجلل بالسواد حتى الوجوه الندية كانت تبكي, وقلبي المثقل بالحزن حيث
السواد يجتاح خلجاته لرحيل صديقة , ومنذ إن مرضت وقبل رحيلك ونحن في وحشة
لرؤيتك, ألمح حمامة تنوح وقلب يناجي النواح, لله درك يا ملك الموت أما كان
لك أن تنتظر ... استغفر الله العظيم!؟
يا حزن الزمان يا لوعة الأيام لفراقك, فيا خسارة العمر في
فقدانك, من يصدق! لا أحد يريد أن يصدق رحيلك أشعر إن الواقع غير صادق معي
هنا, بالأمس كنت ياصديقتى تملئي قلوبنا بحديثك العذب وابتسامتك الرقيقة
والآن كل هذا يغيب, أيتها الحياة الزائفة بعد رحيل صديقتي, لم يكن أمامي
غير الصراخ أمام الحزن,و هل هناك احد يفقه ذوباني الجارح في لحظات الليل
الغارقة بالدموع لموتك.
يا ترى أيتها الراحلة الغالية
ما الذي يمكنني أن أسجله داخل أروقة روحي لأفي ولو لومضة قصيرة في
رثائك, هل ثمة متسع للبوح هنا ياصديقتى ,هل لك أن تلمسي حرارة دموعي التي
انزاحت من داخلي لتستوطن عيوني, أم إن هناك ثمة طريقة للبوح والإنصات,
البوح يعجز عن رثائك أمام جلال فاجعة رحيلك, وهاهي مجموعتك تتشح بالسواد
ويغطيها الحزن وتصرخ ويتزاحم الناس نساء ورجال صارخين رحلت زينب, يا
صديقتنا أيتها الراحلة إلى السماء كيف مضيت سريعا دون وداع, اعذريني لم
أستوعب وداعك هذه المرة دون رجعة, هل تعني إنه سيأتي الوقت فلا أقرأ لك
,ما الذي تعنيه تماما, إنك قد رحلت, وسؤال يؤرق دهشتي هل غادرتك ابتسامتك
دون رجعة لا إله إلا الله.
إن قلبي ليتقطع وقلمي ليتوقف, ولا أكاد اصدق إنني أنعي في هذه
العجالة الغالية زينب , التي رحلت ولم تعطي لمحبيها من عائلتها أو
صديقاتها مهلة, لتهون عليهم لوعة الفراق وسقطت فجأة, ولم يمهلها المرض
كثيرا ففارقت الدنيا, وعلى غفلة تودع البسمة شفاها فرحلت سريعا تطوي عمرها
بلهفة, أعرف ياصديقتى بأن الفراق بيننا سيكون طويلا وإن اللقاء بيننا
سيكون مستحيلا.
يوم رحيلك هو ليس كباقي الأيام , وسيبقى رحيلك قابعا في نفوسنا,وكأني أسمع المآذن تكبٌر الله أكبر بعد إعلان رحيلك يا صديقتى ...
يا صديقتي الموت لا يعرف الصداقة ...
لأول مرة في حياتي افجع برحيل صديقة لي وأي صديقة أنت يا زينب ,
واذرف دموع فاجعة فقدانك وأي فاجعة! تمنيت أن أكتب لك لا أرثيك, كم يعز
علي ذلك يا صديقتى , رحيلك كالصاعقة في وقت الظهيرة وكأنه الغروب, ليغرب
شبابك الطري وتغيبي عن عيوننا, لا أستطيع التوقف عن البكاء كم أفتقدناك,
أقسم إنني نزفت دمعا عند كتابتي هذا النص,والله ما بكيت على أحد بقدر ما
بكيت عليك أيتها الوفية الأبية الطاهرة النقية, لا قدرة لي على التعبير
عما في قلبي من حزن لمصابك,اشهدي أيتها الحياة لقد كانت لنا أخت و صديقه.
اعترف بأني أبدعت بهكذا حزن وأي حزن هذا, فخبر رحيلك وهبني شرعية
الحزن, ولا أدري لماذا أبدع عندما أكتب الأحزان وأترجمها إلى مشاعر, يا
إلهي .. , لأول مرة تتوقف عندي كل الكلمات التي أدخرها لكل شيء, ولا
تسعفني في محاولاتي المستميتة لإعطائك يا صديقتي حقك من الحزن, وتركت دمعة
حزن تكاد تذوب على صفحتي, يا من كنت وما زلت من أعز وأوفى الأصدقاء.
سأكتب عنك كل يوم وفي كل مكان, سأكتب عنك في الليل وفي السماء, أين
لي البوح يا شمس ويا سماء, أي قبر سوف يحتضنك ياصديقتي! ... يا ويح قلبي.
أؤكد إنني عشت ألف سنة داخل كل كلمة كتبتها هنا, و كأن كل
المعاجم ستفقد لغتي, وحين يدركني الفجر سأغفو برهة , فليرحمك الله أيتها
الغائبة الحاضرة, ولأنك إنسانة من طراز خاص لن تغيبي عن منتدانا , يا سماء
احفظيها ويا أرض أحميها ويا نجوم احرسيها, أسأل من رفع السماء من غير عمد,
للمرحومة الفردوس الأعلى وأن يحييها في أفئدتنا على مدى الدهور.
لنطفئ الشموع فالنور يوجعني برحيلك يا صديقتي,و حتى الكون يودعك
رغم إن الطيور سعيدة بمغادرتك دنيا البشر,أتخيلك تقولين هامسة مبتسمة قبل
رحيلك بلا صوت ليس هذا زماني, وهنا تخطيت حزني وصرختي وكدت أخرس سذاجة خبر
موتك, وليتني أجعله أكذوبة, وقد كنت أعتقد إنك قد خذلتيني بموتك, فحاشاك
ذلك.
أعزائي القراء الذين يقرؤني الآن أعذروني على الإطالة وعلى حرارة
لهيب كلماتي وأحاسيسي, وأقرئوا الفاتحة على روح السعيدة الطاهرة, فكلماتي
هذه المرة مبعثرة دون ترتيب دون تفكير دون تخطيط, ولعل الوقت قد يداهمني
لأفيق على صوت الحق ونداء السماء: الله اكبر حي على الصلاة, وسأقف على
عتبة الوضوء استعدادا للصلاة داعيآ ربي أن يحفظ روح السعيدة في السماء.
أرجو الدعاء لها إخوانى وأخواتى