قلبي يحادث قلبك؟!!
بسم الله الرحمن الرحيم
لحظات صدق غاليات تلك التي يجد فيها المرء قلبه قريباً منه ,يحادثه ,ويحاسبه,ويعاتبه , لكم هي لحظات عتاب القلب لحظات غالية ونادرة , تلك التي يخلع فيها المرء كل الأقنعة ويقف أمام مرآة قلبه الحقيقية التي لا تكذب..
لكم وددت أن أهمس في قلوب كل الذين أحببتهم والذين صادقتهم والذين آخيتهم , أهمس في قلوبهم بأنني أحبهم , وبأن الحب العميق الذي جمعني بهم في لحظات إلهية شفافة , سيظل قوياً عبر كل الأيام..
إننا عندما نحب في الله يجب أن نفهم أن ذاك الحب من نوع خاص , نوع رقراق سرمدي عذب , لا تحتويه المواقف , ولا تنال منه الأحزان , إنه نوع من الحب تتخاطب فيه القلوب كخطاب الطير , لا تنازع بينها , ولا منافع , وإنما رضا وتغافر وبذل وتضحية وإيثار ..
إننا أيها المحبون نعيش في أيام متتاليات متصارعات منكفئات تسلم بعضها بعضا ويسلمنا كل يوم فيها إلى الآخر كطرفة عين , حتى نستلم جميعا لحظة الكفن , ولا يدري أحدنا موعد تلك اللحظة , ولكننا جميعا نوقن أنها ولا شك قريبة جدا , وعند لقاء الكفن تسقط الأقنعة ولا يبقى إلا اللون الأبيض النقي الشفاف , إن دموع القلب ترتجينا وتمعن الرجاء فينا أن نعود دعاة مخلصين ..!
لكم حادت بنا خطانا عن مسارات نحبها , كم زلت بنا ألسنتنا عن عبارات نرتجيها , ولكم اخترنا الخطأ على الصواب , و قدمنا مصلحة النفس على مصلحة الجميع , وأبدينا براءة النية ونحن نخفي مصلحة ذاتية .
وإن تدمع اليوم - يا قلب - على تلك الهنات وهاتيك الزلات خير لك من أن ترتجي دمعاً في يوم لا تقبل فيه الرجاءات , ولا تزال فيه العثرات..
إن دمعك اليوم هو دمع الأديب الأريب , العاقل الحكيم , الذي آثر الآخرة على العاجلة , واجتنب المتاع والفراش الوثير, وحاول أن يصطف في صفوف العائدين.
إن القلوب عندما تنصح , إنما تنصح وهي تنبض , ونبضها دفق دماء , كما أن نصحها دفق حياة, حياة تمثلت في تجربة متعَلّمة أو حكمة ُمهداة أو عيب مستور أو إنجاز مستوحى أو رؤية بصيرية ..
فيا أيها الناصحون لا تنصحوا إلا من القلوب , ولا تخرجوا النصح من ألسنتكم, ذروا النصيحة تنبت في قلوبكم , وتظهر على جوارحكم , لتغشى سلوككم قبل أن تتدفق حروفها على ألسنتكم , فكم من ناصح مغتاظ أو غاضب أو متشف أو متعالم أو مستعل بكلمات نصحه على غيره .. والدعاة الصادقون , الدعاة الصالحون يعلمون أنما النصح لله وله فحسب .
أيها القلب إياك أن تغتر بأيام قضيتها مع الصالحين , فإن مناط الحساب متعلق بك وحدك , قال سبحانه : ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) ..
أيها القلب لا يغرنك أنك قد قضيت سنين تتحدث عن أعمال الخير ، إن الذي يصعد من كلامك هو الطيب ( إليه يصعد الكلم الطيب ) , وطيب الكلام هو ما كان مخلصاً , فلتفرح على ما كان منه , ولتصرخ على ماشابتك فيه النية , لتسعد بخطوات سعيتها ابتغاء وجه ربك , ولتخسأ بما كان في مراءاة الناس .
إن مقامك الحقيقي - أيها القلب - يمكنك أن تعرفه في لحظات البكاء في جوف الليل الآخر , وفي التضحيات الكبيرة عندما يناديك العطاء , أو تنتظر أن تعرفه عند حشرجة الروح إذ هي تخرج من الحلقوم .
إن صرخة.. ( رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ) حري بها أن تقض مضجعنا , وتؤرق منامنا , ولا تجعلنا نستلذ بطعام ولا شراب , ولا حياة ولا متاع , فهل آن لنا أن نتوقى تلك الصرخة , وهل آن لنا أن نبادر إلى إصلاح ما فات قبل أن نصرخ فلا عود , ونسترجع الفوت , ؟ ولا ثمّ إلا الصراخ ؟!
إن من عظمة الوحي الإسلامي أنه لا يُحمل أحدا تبعة خطيئة أحد , ولا يبتدئ مع أحد على أنه مذنب , بل الأصل براءة الذمة , والأصل نقاوة التاريخ , والتوبة تجب ما قبلها, و" الحسنات يذهبن السيئات " , " ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا " ..
إنه لا سبيل أيها القلب إلا بالمسارعة إلى التطهير الكامل من آثار تاريخ الذنب ولنبدأ بعملية الحرق , وأقصد به الندم , فإن الندم الصادق نار ملتهبة تحرق الذنب , وفي الحديث : ( الندم توبة ) رواه أحمد ..
تلك كانت همسات قلب محب , فاضت فاغرورقت بها عين القلب , فأدمعت نصحاً لمن تحب.
منقول للأمانة