كيف يكون الاستماع الناجح
أم عبد الرحمن محمد يوسف
لو أن إنسانًا في أعماق البحر يبحث عن الهواء ثم أعطيته ذهبًا أو ماءً أو طعامًا؟ ماذا سيفعل؟
هل سيأخذ ما تقدمه له؟ بالطبع لا، لأن ما يحتاجه هو الهواء، الهواء فقط.
ومثل ذلك من لا يجد من يسمعه ويظل يبحث عنه.
ربما سمعنا زوجًا يقول عن زوجته أنه لا يفهمها, وتكون الحقيقة المُرة أنه لم يستمع إليها.
إنه ليس من الحكمة بأن تتحدث زوجتك في موضوع مهم أو غير مهم ثم تجدك تتحدث إلى الآخرين, أو تطالع الصحيفة مثلًا.
ذلك أن (الاستماع يُعد من الوسائل الهامة للتواصل مع شريك الحياة لأن الزوج أو الزوجة إذا أراد كل منهما أن يفهم الآخر؛ فلا بد له أن يسمعه ويستمع إليه استماعًا حقيقيًا وليس استماعًا تكون فيه مشغولًا بتحضير الرد عليه, أو تحويل دفة الحديث للجهة التي تريد أنت.
إن معرفتنا الشديدة بشريك حياتنا تجعلنا نظن خطأً أننا ندرك ما هو أفضل شيء بالنسبة له دون أن نسمعه.
وهنا تكمن المشكلة, إن الاستماع لشريك الحياة هو أسهل الطرق لامتلاك قلبه، لماذا؟
قبل أن أجيبك, أدعوك للتفكير في ذاتك ونفسك, حين تشعر بالضيق أو تكاد تطير فرحًا إلى من تتجه؟
إنك تتجه إلى من يحسن الإنصات إليك, لأنك تشعر ناحية من ينصت إليك بالحب, وكلنا نفعل نفس الشيء, إننا نحب من ينصت إلينا, ونشعر في كنفه بالاحتضان والتقدير, إن الإنسان حين يجد الآخر يستمع إليه فإنه يحبه, وكلما زاد الإنصات والسماع زاد الحب). [اللمسة الإنسانية, محمد محمد بدري، ص41-42, بتصرف].
أخي الزوج, أختي الزوجة:
إن الاستماع الناجح للزوج هو من القواعد التي تجعل زوجك يواصل الحوار, وتقع المشكلة عندما لا يستطيع الزوج فك رموز رسالة الطرف الآخر.
قد يقول الزوج: أنا أحبك.
فترد عليه زوجته: وأنا أيضًا.
وتختلف ترجمة الرسالة من حال لآخر، فماذا يعني أنا أحبك في المطبخ, هل هي نفس معناها على الفراش؟, وهل تساوي معناها عندما يودعها على الباب؟.
(عندما يقول لها: أنا أحبك في المطبخ فهو يمدح طعامها, أما إذا قالت له: وأنا أيضًا أحبك على الفراش, معناها أنا قبلت دعوته واستجابت لرغبته الجنسية, وقد لا تكون كذلك.
أما أنا أحبك على الباب فهو يطالبها أن تدعو له بالتوفيق؟ وقد تظن هي أنه سيمكث ولا يخرج.
فهل هذه الترجمات صحيحة؟
لا بد أن تتأكدوا من أن الطرف الآخر يريد ما تفهمه من ألفاظه، لأن الترجمة غير الصحيحة قد تؤدي إلى النفور.
والسؤال الآن كيف يكون الاستماع الحقيقي الناجح؟
هناك صفات على من أراد حسن الاستماع والإنصات أن يتحلى بها منها:
1. أن يستخدم عينيه ووجهه وكيانه جميعًا, لا أذنيه وحسب, فالانتباه يعني تركيز الوظائف جميعًا, وحاول إن استطعت أن تشرح شيئًا لشخص يسرح ببصره في أنحاء الغرفة, ويدق بأصابعه على حافة مقعده, ويميل بجسمه بعيدًا عنك, إنما المستمع الواعي هو الذي ينظر إليك وأنت تحدثه, ويميل بجسمه قليلًا تجاهك, ويتجلى أثر حديثك على قسمات وجهه.
فإذا أردت أخي الزوج, أختي الزوجة, أن تكون مستمعًا جيدًا, فعليك أن تفعل ما ينم عن شغفك بالحديث واهتمامك به.
وهذا موقف حدث بين زوجين, كان الزوج يتكلم مع زوجته وهي تجول بالغرفة وترتبها وتحول ظهرها إليه, فقال لها إنك لا تستمعين إليَّ ومشغولة عني أثناء الحديث وكأنني لا أكلمك, أنتِ لا تفهمين، وأنا مخطئ أنني أتحدث معك.
2. أن يتعلم المستمع كيف يسأل أسئلة توجيهية, وما السؤال التوجيهي؟
إنه سؤال يوجه المسئول من طرف خفي إلى جواب معين في ذهن السائل نفسه, فالأسئلة المباشرة كثيرًا ما تكون ثقيلة على المسئول, أما الأسئلة التوجيهية فتضفي بهجة وحياة على المناقشة.
والبراعة في توجيه الأسئلة التوجيهية, براعة مطلوب توافرها في كل من يرغب في أن يكون مستمعًا جيدًا, وهي فن يمكن أن تمارسه الزوجة أو الزوج لتوجيه شريك الحياة إلى الوجهة الصحيحة، دون أن يبدو أنه أو أنها تسدي النصيحة والإرشاد.
كأن تسأل الزوجة زوجها: "أتعتقد يا عزيزي أن مزيدًا من الإعلان قد يجعل تجارتك أكثر رواجًا, أم أنها مجازفة لا داعي لها".
فليس في مثل هذا السؤال إسداء للنصيحة, ولكن في نتيجته, بالنصيحة أشبه.
3. ألا يخون المستمع ثقة المتحدث فيه:
أهم الأسباب التي من أجلها يعزف بعض الأزواج عن مناقشة مسائل أعمالهم مع زوجاتهم, أنهم لا يثقون في كتمانهم للسر, ولا يأمنون أن تثرثر الزوجات بهذه المسائل لصديقاتهن ومعارفهن. [ادفعي زوجك إلى النجاح, دورثي كارنيجي, ص43، بتصرف].
أذنان وفم واحد
أخي/ أختي الزوجة
لقد لاحظت أن (هناك الكثيرون يذهبون للطبيب عندما يكون كل ما يريدون هو شخص يستمع إليهم). [مجلة ريرز ديجست, كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس, ديل كارنيجي, ص105].
فلماذا ننسى أحيانًا, ونحرص على الانفراد بالحديث وعرض آرئنا, وعدم إتاحة فرصة للآخر لكي يتكلم أو يُعلِّق؟ إننا بذلك نبخس الأشخاص, ولذلك جاء كلام الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه ليضع النقاط على الحروف فيقول: "أنصف أذنيك من فيك, فإنما جعل لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تتكلم". [مختصر منهاج القاصدين, ابن قدامة، ص171]
موقف محبط
وإذا أدرنا أن نعلم أهمية الإنصات فتذكر مرة تحدثت فيها إلى شخص, وأسهبت في شرح قضية ما بتفاصيلها, ثم في نهاية حديثك سألت عن رأيه؟ فوجدت أنه لم يكن منتبهًا بالمرة مع ما تقول, هل لك أن تصف لي حالك؟
بالتأكيد ستكون في غاية الاستياء وذروة الإحباط.
(إن الاستماع للآخرين باهتمام يفتح لك آفاقًا من معرفة الطرف الآخر, وفهم شخصيته, وهذا بدون شك يعطيك مفتاح الدخول إلى عالمه والتأثير في شخصيته وتغييره للأفضل) [سحر الاتصال, محمد أحمد العطار, ص42، بتصرف].
تحدَّث للتعبير عن نفسك
إن الكلام وسيلة ممتعة من وسائل الاتصال والألفة (إننا نتحدث للتعبير عن أنفسنا, لكي يستمع إلينا الآخر, إن التحدث يساعدنا على فهم أنفسنا, وفهم الآخر يساعدنا على الحصول على الرسائل وإرسالها للآخرين). [لا مزيد من الانغماس في هموم الآخرين, ميلودي بيتي, ص252، بتصرف].
الأذن تسمع والقلب أيضًا
ويبقى السؤال كيف نفهم الآخرين؟ كيف نصل إلى نواياهم ورسالتهم؟
والإجابة هي أنك تحتاج إلى أن تستمع إليهم كثيرًا, وتكثر من الحوار والحديث معهم، ولكن ليس أي استماع، إنه الاستماع التعاطفي.
(إن الاستماع له خمس درجات:
الأولى: أننا نتجاهل الشخص الآخر, فلا نستمع إليه أبدًا في الحقيقة.
الثانية: نتظاهر بالاستماع "حقًا إنك على حق" ولسنا مع الشخص أساسًا.
الثالثة: الاستماع الانتقائي, نستمع فقط إلى أجزاء معينة من المحادثة.
الرابعة: الإنصات اليقظ الذي ننتبه فيه, ونركز طاقتنا على الكلمات التي يتم التلفظ بها.
الخامسة: فهي أعلى درجة من درجات الإنصات الفعَّال ألا وهي درجة الاستماع التعاطفي.
فالاستماع التعاطفي يقتضي منك أن تنفذ داخل الشخص الآخر فتنظر من خلاله, وترى العالم بنفس الطريقة التي يراهي هو وتفهُّم تصوراته.
في الاستماع التعاطفي لا تستمع بأذنيك فقط, ولكنك أيضًا تستمع بعينيك وقلبك، إنك تستمع إلى المشاعر, إلى المعاني, إلى القيم, إلى الدوافع, إلى النية الإيجابية.
الاستماع التعاطفي باختصار: هو أنك تسمع وتشعر بالشخص الآخر, تستمع إليه وتتعاطف معه) [سحر الاتصال, محمد أحمد العطار, ص99-100].
وإليك أخي/أختي القارئة طريقة جديدة للاستماع وهي:
الاستماع مع التأكد من الفهم:
وهي طريقة يمكن أن تقوي الرابط الزوجي, من خلال تحقيق حاجة كل طرف إلى أنه قد تم الاستماع إليه, وأنه قد فُهم تمامًا من قبل الآخر، ويتكلم في هذه الطريقة أحد الزوجين بينما الآخر يقوم بالاستماع, ومن ثم يحاول أن يعكس أو يكرر ما قاله الأول, وذلك للتأكيد من أنه قد سمع وفهم تمامًا ما أراده.
ولنأخذ هذا المثال:
رشيد: لا أحب أن تشيري في كلامك وكأنني أُقدم أصدقائي عليك, إنه لا يوجد أحد أهم منك في حياتي, أنا أستغرب أنك لا تشعرين بهذا.
مريم: انتظر قليلًا ودعني أتأكد من أنني قد فهمت ما تريد قوله, إنك تقول أنك منزعج مما قلته، لأنك لا يمكن أن تجعل أحدًا من أصدقائك أهم مني في حياتك, هل هذا صحيح؟
رشيد: تمامًا, كما أنني أحرص على العودة إلى المنزل مبكرًا لأكون معك، إلا أني أجدك مع صديقاتك في البيت أو على الهاتف.
مريم: إنني أجد صعوبة في الاستماع إلى هذا، ومع ذلك فأنت تقول أنني أُكثر من زيارة صديقاتي والحديث معهم عبر الهاتف, وكأنك تريديني ألا أزورهم, أليس كذلك؟
رشيد: كلا, لم أقل ألا تزورينهم, ولكنني أفضل أن تقللي من زياراتهم, أو أن تزوريهم عندما أكون في العمل, إنني حريص على قضاء الوقت معك يا مريم.
مريم: الآن هذا أفضل وأسهل عليَّ أن أفهمه, إنك تقول إنك تحب عند عودتك إلى البيت أن تجدني في المنزل لنقضي معًا بعض الوقت, هل هذا صحيح؟.
رشيد: نعم هذا صحيح, وشكرًا أنك فهمتِ ما أعنيه. [التفاهم في الحياة الزوجية، د. مأمون مبيض، ص118].
إن طريقة الاستماع والتأكد من الفهم ليست مجرد طريقة آلية، وإنما تحوي في ضمنها شيئًا من قدرتنا نحن على تغيير مواقفنا وعاداتنا في الكلام والحوار.
والغالب في نقاش الناس أن الواحد فيهم بدلًا من أن يستمع لكلام الآخر بانتباه، فإنه يفكر دومًا فيما سيقوله هو بعد سكوت الآخر، ولذلك يجري الحوار وكأنه كما يقولون (حوار طرشان) أما عندما يحاول كل طرف أن ينظر فيما يمكن أن يغيِّر هو في نفسه, وهذا من شأنه امتلاكه القدرة على تغيير المواقف وطريقة التصرُّف لتصبح أكثر إيجابية، وهذه الطريقة تريح أعصاب الإنسان كثيرًا, وتقارب بين الزوجين وتزيد درجة التفاهم بينهما.
مرآة الاستماع
(في هذه الطريقة للاستماع والتأكد من الفهم، يحاول المستمع بعد كل عدة جمل، أن يعيد ما قد سمعه، أو يلخص الأفكار الأساسية فيه, ليتأكد الطرفان من انتقال المعنى الصحيح بينهما.
وإذا تبين عدم وضوح المطلوب فيمكن للمتكلم أن يعيد الكلام للسامع). [حتي يبقى الحب, د. محمد محمد بدري ص137-138].
(إن من أكثر العبارات فائدة عن تطبيق: الاستماع مع التأكد من الفهم، قول السامع عبارات مثل: هل يمكن أن تشرح هذا أكثر حتى تُعينني على الفهم؟ أو: هل عندك شيء آخر حول هذا الأمر؟ فإن هذه العبارات تشجع المتحدث على المزيد من التعبير عما في نفسه, وبذلك يستطيع المستمع أن يشعر بحقيقة المشاعر التي يحاول المتكلم التعبير عنها, ولا يقف عند مجرد الكلمات.
إن من الأمور العظيمة في التعامل البشري أن يشعر الإنسان بأن أمامه الفرصة للتعبير عما في نفسه, وأن هناك من يستمع إليه.
تذكر أخي/أختي القارئة أن الاستماع الناجح يتطلب منك:
· أن تردد عبارة الطرف الآخر، أن تسأله ماذا يقصد.
· أن تستخدم إشارات الإيجاب بالرأس والعين واليدين.
· أن تستخدم إشارات الاهتمام باللسان مثل: هم..هم..نعم.
فإذا حرَّك الإنسان رأسه للأمام مع كلمة نعم فإن هذا يعني أنه استمع وسجل ما قيل, ولا تعني أنه موافق, أما إذا حرَّك رأسه للعكس فمعناها أنه غير موافق على كلامك.
لا شيء أشد إثارة لإعصاب الرجل أو المرأة من فهم مراده خطأ، عندها سيحدث الانفلات) [بالمعروف, د. أكرم رضا, ص153- 154].
المراجع:
· اللمسة الإنسانية، محمد محمد بدري.
· ادفعي زوجك إلى النجاح, دورثي كارنيجي.
· كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، ديل كارنيجي.
· مختصر منهاج القاصدين, ابن قدامة.
· سحر الاتصال, محمد أحمد العطار.
· لا مزيد من الانغماس في هموم الآخرين, ميلودي بيتي.
· التفاهم في الحياة الزوجية، د/ مأمون مبيض.
· حتى يبقى الحب, د/ محمد محمد بدري.
· بالمعروف, د/ أكرم رضا.