ربما يكون عطاء أحدنا كشلال ينبض بالحيااة ...
طاقات عظيمة ... ونعم كبيرة ... وأبواب واسعة ...فُتحت في وجوهنا وكُتب عليها أبواب البر ليتسابق الناس إليها متنافسين متفاضلين ...
فمنهم من تجود نفسه ببحرٍ من العطاء ؛ ولمَ لا ؟ فقلبه غنيٌ ... ونفسه توّاقة ... وطموحه عظيم يتصل بالفردوس الأعلى ولو كان زيادة عليها لطلبها ...
ومنهم من يبخل على نفسه باستقرار الأنفاس ... وطمأنينة القلب ... وسمو الهمة ! ليس لشئ إلا لأنه مُحبٌ لنفسه ..مُعزٌ لها ..حزين على بيعها حتى وإن كان لوجه الله !!!
وكم أتعجّب من هذا النوع البشري ؟ وكم ينتابني الحزن على ضعفهم , فقد جهلوا الكثير ... وفاتهم خير وفير ... أوله طمأنينة القلب وأعظمه رضىً من الحنّان المنّان !
ومنهم نوع غريب ...متجبر متكبر على غير وجه حق ! تجده يُتبع العطااء بالمنّ , وما أقبحه من سلوك !
قال الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (264) سورة البقرة , أخي ..أختي , قف هنا قدر ما تستطيع , وتأمل وتفكر وانظر لحالك , فهل ستجد نفسك هنا أم أنك ..... ولا تتخيّل أبدا أن الصدقة تعني المال فحسب... بل دين الله عظيم متين .
وغير هؤلاء كثير ... أحوالهم لا تسرّ , يعطون من أدنى ما يملكون , وينتظرون الحمد من كل شئ حتى الحجر , غابت عن عقولهم عبادة الإخلاص , ونسوا أن خلف هذا العطاء حسنات تُربّى لصاحبها كما يُربّى الفلوّ إن خَلُص لله وطابَ ... مع مداومة الحياء والوجل عند دفعه لمستحقيه ...في حَيرة أيقبله ربي مني أم لا ؟!
هؤلاء هم أصحاب العطاء ... وما دمنا قد دخلنا أبواب البر لنستظل بظلها فلنعرّج على أصحاب البلاء الذين كُرّموا على غيرهم بثياب الذل والهوان على الناس , ففُتحت لهم أبواب البر تسلية وتسرية !!!
ما أعظمك ربي وما أعدلك !
تخيل أن الفقير منهم ذلّ وهانَ على قومه لا لذنب ارتكبه , بل لأنه خُلق فقيرا وعاش فقيرا ...فتظاهر بالصوم والنوم حتى لا يُرى طبقه المتصدع!
والمريض بات يُخفي مرضه , ولم يعد يتجرأ على قولةِ آخ من الألم ؛ خشية أن يسمعه أحد فيعيره بمرضه أو يتهمه بالكذب والتمارض ...
الضعيف تخبّأ تحت غطاء الأقدار , وكلما مرّ بمصيبة قال قضاء وقدر ! لا يملك سوى هذه الكلمة ! أعانه الله ...
ومع كل أسف هم في أمة خير البشرية عليه أفضل صلاة وأتمّ تسليم ...
ما أردت قوله اخواني أن إذا قدّمت معروفا لأحدهم فأنت تقدمه لله ... فلا تنتظر أبدا أن يدفع لك الثمن , لأنه لو كان يملكه ما قبل معروفك يوماً ... وتذكر دائما وفي كل حال قول العزيز الحكيم : سورة الأنعام الآية 1" قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ "
اللهمّ إني قد بلّغت , اللهم فاشهد .
اللهم صلى على محمد وعلى آلة وصحبة أجمعين