عندما يكون "البنج المخدر" ذكر الله

عندما يكون "البنج المخدر" ذكر الله

أصيب عروة بن الزبير -أحد الفقهاء السبعة- بداء في رجله وكان ضيفا عند الخليفة عبدالملك بن مروان فحشد له الأطباء من كل مكان ، ليداووه من هذا الداء الذي نجم في رجله ، وخرج الأطباء وقد قرروا أنه لا بدَّ من قطع الرجل.
وجزع الخليفة ، ولم يدع باباً من أبواب الترغيب والترهيب إلا فتحه لهم، وعرض عليهمكنوز الخزائن ، ولكنهم عجزوا.
عرضوا عليه الخمر ليسكروه، فلا يحس بألم القطع، فأبى وقال: لا أستعين على قدر الله بمعصية الله . فأرادوه أن يشرب المرقد(البنج) فقال: لا، فإني ما أحب أن أسلب عضواً من أعضائي ، وأنا لا أجد ألم ذلك لأحتسبه عند الله.
يفضل أن يتألم ويلقى الثواب، عن أن يفقد الألم ويحرم الثواب.
وورد على الأطباء ما لم يكونوا يتوقعون، وسمعوا عجباً، كيف يتحمل هذا الشيخ قطع رجله وهو صاح واع.
لم يدروا أن عنده ما هو أشد أثرا من المسكر ومن المرقد ، لديه شيء يستطيع أن يغيب به عن الدنيا كلها وينساها ولا يعود إلي التفكير فيها.

وعرضه عليهم فدهشوا.

قال: إني سأدخل في ذكر الله فإذا رأيتموني استغرقت فيه ، فشأنكم بها.

وذكر الله لا كما نذكره نحن، حين نذكر بألسنتنا ، وقلوبنا في غفلة عن الذكر ، ولكن ذكرَ اللسان والقلب والجوارح ، ذكر من يحس إذ يدخل فيه كما يحسه من يكون في (المركبة الفضائية) حين تعلو به عن الأرض فتصغر ، ثم يمضي صعدا حتى تصير كلها ، بملذاتها وآلامها ،ومسراتها وأحزانها ، وكل ما فيها نقطة ضائعة في الحضيض ، وذكر الله يعلو بصاحبه إلى حيث لا تبلغ مراكب الفضاء ، ولا يصل إليه خيال من أبدعها.

فلما رأوه استغرق ،بدأت العملية العملية .

قطعوا اللحم بالسكين المحمى بالنار
حتى إذا بلغوا العظم نشروه بالمنشار،
وهو يهلل ويكبر!
وقد جلَّله العرق ،
ثم عمدوا إلى طريقة التعقيم التي كانوا لا يعرفون غيرها
فحموا الزيت في مغارف الحديد
حتى إذا غلى كووه فأغمي عليه...

ولما أفاق الشيخ من غشيته، رأى القدم في أيديهم ، فأخذها يقلبها.
قدمه التي كانت بضعة منه، فصارت قطعة من لحم وعظم، أدركه الضعف البشري،
فقال :
أما والذي حملني عليك،
إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط.